(وَمِنْ وَرائِهِ) ومن بين يديه (عَذابٌ غَلِيظٌ) أي: في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشدّ مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد.

ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا - أي: استمطروا، والفتح المطر - في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر، وهو صديد أهل النار. و"اسْتَفْتَحُوا" على هذا التفسير: كلامٌ مستأنفٌ منقطعٌ عن حديث الرسل وأممهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: ((مِنْ وَرَائِهِ) ومن بين يديه (عَذَابٌ غَلِيظٌ)، أي: في كل وقت يستقبله)، (مِنْ وَرَائِهِ) في الآية الأولى: ظرف مكان؛ يدل عليه قوله: "فكأنها بين يديه وهو على شفيرها"، وفي هذه: ظرف زمان؛ يدل عليه قوله: "في كل وقت"، وإنما فسره بالوقت لإردافه بقوله: (مِن كُلِّ مَكَانٍ) ليشمل الأمكنة والأزمنة.

قوله: (ويحتمل أن يكون أهل مكة)، عطف على قوله: "واستفتح الكفار على الرسل".

قوله: (كلام مستأنف منقطع)، فإن قلت: قد تقرر أن الاستئناف مناف لإدخال العاطف، فما هذه الواو إذن؟ قلت: قد ذكر أن الجملة منقطعة عن حديث الرسل وأممهم، ولم يذكر أنها منقطعة على الإطلاق، لأنها متصلة بقوله في مفتتح السورة: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ* الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً) [إبراهيم: 2 - 3]، والمراد منهم أهل مكة، ووسطت قصص الأنبياء بين الكلامين؛ ليذكرهم بأيام الله، فيعتبروا بعاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالاً، ولإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتسليته ليهتدي بهديهم، ويقتفي آثارهم في الصبر على أذى القوم، والتشمر في الدعوة إلى الدين الحق.

ألا ترى كيف طابق بين الإرشادين- أعني: قوله: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015