وهي قوله (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) بياناً لصدقهم وانتفاء التزيد عن قيلهم، فما تصنع بالجمل البواقي؟ قلت: أعطفها على قوله: (ما نَبْغِي) على معنى: لا نبغي فيما نقول (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) ونفعل كيت وكيت.
ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ، كقولك: وينبغي أن نمير أهلنا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ)، أي: قوله: (وَنَمِيرُ). قال صاحب "الفرائد": لا تصلح الواو في الابتداء، ولا أن تكون للعطف أو للحال، وفي هذا المقام هو للعطف، والتقدير: ما نكذب، هذه بضاعتنا ردت إلينا، وكان الرد دليلاً على صدقنا فيما قلنا؛ من أنه أكرمنا كما وصفنا، نمشي بها، ونمير أهلنا، وكذا القول في الوجه الثالث والرابع.
وقلت: نحو هذا- أي: المعطوف عليه- قدره المصنف في غير هذا الوجه، وهو ما ضبط معناه بقوله: "كلاماً مبتدأ"، فإنه أراد الاعتراض والتذييل، كقولك: فلان ينطق بالحق، والحق أبلج، ألا ترى إلى قوله: "وينبغي لي أن لا أقصر" مقابلاً لقوله: "وينبغي أن نمير"، وعليه قوله تعالى: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) كما سبق، ومن ثم قال: "وإنا لفاعلون ذلك لا محالة"، ألا ترى أنه كيف عقب بقوله: "واجتهدت في تحصيل غرضه" قوله: "سعيت في حاجة فلان"، ثم عقبهما مؤكداً بقوله: "وينبغي لي أن لا أقصر".
وتوجيه السؤال أن قوله: (هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) بيان لقوله: (مَا نَبْغِي)، بمعنى: لا نكذب، لكن (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا) لا يصلح أن يكون بياناً له، فلا يجوز العطف على البيان، وأما إذا جعلته جملة مؤكدة على سبيل التذييل والاعتراض استقام، لأن الكلام في الامتياز، وكل من الجمل في معناه.
نعم؛ يصح أن يكون بياناً إذا حمل (مَا نَبْغِي) على معنى المشورة والرأي، كما قال: "وما ننطق إلا بالصواب فيما نشير"، ويراد بقوله: (هَذِهِ بِضَاعَتُنَا) العرض وما يرجعون به إلى طلب الميرة، وإليه الإشارة بقوله: "ونفعل ونصنع؛ بياناً لأنهم لا يبغون في رأيهم".
وما قدره صاحب "الفرائد" أيضاً وجه يصار إليه.