إن كان لحليماً ذا أناة».

وإنما قال: سل الملك عن حال النسوة ولم يقل سله أن يفتش عن شأنهن، لأنّ السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عما سئل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجدّ في التفتيش عن حقيقة القصة وفصّ الحديث، حتى يتبين له براءته بياناً مكشوفاً يتميز فيه الحق من الباطل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاء رسول الملك؛ فعل لامذنب حين يعفى عنه مع طول لبثه في السجن، بل قال: (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ)، أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلماً، فقال صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف، والتواضع لا يصغر كبيراً، ولا يضع رفيعاً، ولا يبطل لذي حق حقاً، ولكنه يوجب لصاحبه فضلاً، ويكسبه جلالاً وقدراً".

قوله: (إن كان لحليماً)، "إن" هي المخففة من الثقيلة، الأناة: الوقار، وقيل: هو اسم من التأني في الأمور.

قوله: (لأن السؤال مما يهيج الإنسان)، أي: يحرك منه، يعني: قوله: (فَاسْأَلْهُ) يحتمل أن يكون بمعنى المسألة، أي: سلة عن حقيقة شأنهن، وأن يكون بمعنى الطلب، وهو أن يفتش عن شأنهن، فحين قيده بلفظة (مَا) التي يسأل بها عن حقيقة الشيء ظاهراً هيجه للتفتيش عن حالهن، لأن الإنسان حريص على تحصيل تحقيق الشيء، ويستنكف أن ينسب إلى الجهل به، بخلاف ما لو قال: سله أن يفتش، أي: اطلب منه، فإنه لا يبالي بهذا الطلب، ولا يلتفت إليه، سيما عن أمثال الملوك.

قوله: (وفص الحديث)، الأساس: "فلان حزاز الفصوص: إذا كان مصيباً في رأيه وجوابه، وأتيتك من فصه؛ أي: من محزه وأصله، ومنه فصوص الأخبار".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015