ولا تريد أنهما صحبا الصدق، ولكن كما تقول: رجلاً صدق، وسميتهما صاحبين لأنهما صحباك. ويجوز أن يريد: يا ساكني السجن، كقوله: (أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر: 20].
(مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ) يريد التفرّق في العدد والتكاثر. يقول أأن تكون لكما أربابٌ شتى، يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا (خَيْرٌ) لكما (أَمِ) أن يكون لكما ربٌّ واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية، بل هو (الْقَهَّارُ) الغالب، وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما تقول: رجلا صدق)، يعني: كما دل الإضافة بمعنى اللام على أن الصدق مالكهما مبالغة، والأصل: رجلان صادقان، كذلك إضافة "صاحبي" إلى "الصدق"، والمراد: صدقتما في صحبتي، أي: بذلتما مجهودكما في حقي، وفعلتما ما يوجبه حق الصحبة.
الراغب: "الصدق: مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً، ويستعمل في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد؛ نحو: صدق ظني، وفي فعل الجوارح؛ نحو: صدق في القتال: إذا وفى حقه، وفعل ما يجب في القتال".
قوله: (وهذا مثل ربه لعبادة الله تعالى)، فيه إشكال؛ لأن الظاهر نفي استواء الأصنام وعبادتها بالله تعالى وبعبادته، فأين المثل؟ ! لكن التقدير: أسادات شتى تستعبد مملوكاً واحداً إلى عبادتها خير من سيد واحد قهار، فوضع موضع "الرب السيد": (اللهُ)؛ لكونه مقابلاً لقوله: (أَأَرْبَابٌ)، كقوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً) [الزمر: 29].