فإن قلت: نزول السجن مشقة على النفس شديدة، وما دعونه إليه لذة عظيمة، فكيف كانت المشقة أحبّ إليه من اللذة؟ قلت: كانت أحبّ إليه وآثر عنده نظراً في حسن الصبر على احتمالها لوجه الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحسنات دهرها سليمان بن يسار، ودخلت عليه من كل مدخل، دخلت عليه مستفتية، وقالت: لئن لم تفعل ما آمرك لأصيحن ولأشهرنك، فسكتها، ثم خرج من المدينة، وجلا وطنه فراراً من المعصية، فرأى يوسف في المنام، فقال له: أنت يوسف عليه السلام؟ قال: نعم، أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهم.
قوله: (كانت أحب إليه وآثر عنده نظراً في حسن الصبر)، قال القاضي: "وقيل: إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا، وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية، ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبر"، روينا عن الترمذي عن معاذ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللهم إني أسألك الصبر، قال: "سألت الله البلاء، فاسأله العافية"، وعنه عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أني سأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج".
وقال الإمام: "إنه عليه السلام إنما أجاب بهذا قولها: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ)،