وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة، كما يخفي الماكر مكره. وقيل: كانت استكتمتهنّ سرّها فأفشينه عليها (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) دعتهنّ. قيل: دعت أربعين امرأة منهنّ الخمس المذكورات (وَأَعَْدَتْ لَهُنَّ) ما يتكئن عليه من نمارق، قصدت بتلك الهيئة وهي فعودهنّ متكئات والسكاكين في أيديهنّ: أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهنّ فتقع أيديهنّ على أيديهنّ فيقطعنها، لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده، ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهنّ، فتضع الخناجر في أيديهنّ ليقطعن أيديهنّ، فتبكتهنّ بالحجة، ولنهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهنّ الخناجر، وتوهمه أنهنّ يثبن عليه.
وقيل: (متكأ) مجلس طعام لأنهم كانوا يتكؤن للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولذلك: نهي أن يأكل الرجل متكئا» وآتتهنّ السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن. وقيل (مُتَّكَأً) طعاما، من قولك اتكأنا عند فلان: طعمنا، على سبيل الكناية، لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكئ عليها. قال جميل:
فَظَلَلْنَا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَانَا ... وَشَرِبْنَا الْحَلَالَ مِنْ قُلَلِهْ
وعن مجاهد (مُتَّكَأً) طعاماً يحزّ حزّا، كأن المعنى يعتمد بالسكين، لأنّ القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فتضع الخناجر)، الفاء تفصيل لما أجمل في قوله: "أن تقصد الجمع بين المكر به- أي: بيوسف- وبهن"، أي: بالنسوة.
قوله: (فظللنا) البيت، "واتكأنا": أي: أخذنا متكأ نتكئ عليه، و"القلل": جمع قلة، وهي الجرة، و"الحلال": النبيذ.