فإن قلت: إن دل قدّ قميصه من دُبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتبذت ثوبه إليها فقدّته، فمن أين دل قدّه من قُبُلٍ على أنها صادقة، وأنه كان تابعها؟ قلت: من وجهين:

أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسها قدت قميصه من قدّامه بالدفع.

والثاني: أن يسرع خلفها ليلحقها فيتعثر في مقادم قميصه فيشقه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من إطلاق الخاص على العام، كأنه قيل: قال قائل: إن كان قميصه، على طريق أداء الشهادة، أو القول محذوف، كأنه قيل: وشهد شاهد، فقال: إن كان قميصه.

قال صاحب "الفرائد": هذا التقرير غير مستقيم، وإنما يستقيم أن لو قيل: فإن كان قميصه، ووجهه أن يقال: وشهد شاهد قائلاً: إن كان قميصه.

وقلت: ما المانع من تقدير ما يستقيم به المعنى، سواء كان حرفاً أو غيره، ولاشك أن ذلك التقدير أفصح، لأنه على وزان قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54].

قوله: (من وجهين: أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعته) إلى آخره، الانتصاف: "ويمكن مثله في اتباعها له، فإنها إنما قدت قميصه من قُبُل؛ بتقدير أن تكون جذبته حين صارا متقابلين، بل ها هنا أظهر، لأن الموجب للقد غالباً الجذب لا الدفع".

وقوله: (الثاني: أن يسرع خلفها ليلحقها، فيتعثر في مقادم قميصه، فيشقه)، الانتصاف: "هذا بعينه محتمل إذا كانت هي التابعة، وهو فار منها، والحق أن الشاهد إن كان صبياً في المهد، فالآية في مجرد كلامه، كما كان كلام عيسى برهاناً على براءة مريم، فلا يظهر في وجه الأمارة المذكورة، وإن كنا الشاهد بعض أهلها فإنه بصر بها من حيث لا تشعر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015