(وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) اجتذبته من خلفه فانقد، أي: انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه (وَأَلْفَيا سَيِّدَها) وصادفا بعلها وهو قطفير، تقول المرأة لبعلها: سيدي. وقيل: إنما لم يقل سيدهما، لأنّ ملك يوسف لم يصح، فلم يكن سيداً له على الحقيقة. قيل: ألفياه مقبلا يريد أن يدخل. وقيل جالساً مع ابن عمّ للمرأة. لما اطلع منها زوجها على تلك الهيئة المريبة وهي مغتاظة على يوسف إذ لم يؤاتها جاءت بحيلة جمعت فيها غرضيها: وهما تبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة والغضب على يوسف، وتخويفه طمعاً في أن يؤاتيها خيفة منها ومن مكرها، وكرها لما أيست من مؤاتاته طوعا. ألا ترى إلى قولها (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ) [يوسف: 32].
و«ما» نافية، أى: ليس جزاؤه إلا السجن. ويجوز أن تكون استفهامية، بمعنى: أي: شيء جزاؤه إلا السجن، كما تقول: من في الدار إلا زيد.
فإن قلت: كيف لم تصرح في قولها بذكر يوسف، وإنه أراد بها سوءا قلت: قصدت العموم، وأنّ كل من أراد بأهلك سوءاً فحقه أن يسجن أو يعذب، لأنّ ذلك أبلغ فيما قصدته من تخويف يوسف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قصدت العموم، وأن كل من أراد بأهلك سوءاً فحقه أن يسجن)، الانتصاف: "أو أرادت بالإجمال الحياء والحشمة أن تقول لبعلها: هذا أراد بي سوءاً، ولذلك كنت بالسوء عن الفاحشة بعداً عن القحة التي توهم الريبة، وقالت ابنة شعيب عليه السلام: (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26]، ولم تقل: إنه قوي أمين؛ حياء من أبيها".