كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات، حرصاً على القبول، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته، وقاله حين لم يبق له اختيار قط، وكانت المرّة الواحدة كافية في حال الاختيار، وعند بقاء التكليف.
[(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) 91 - 92].
(آلْآنَ): أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق، وأيست من نفسك. قيل: قال ذلك حين ألجمه الغرق، يعنى: حين أوشك أن يغرق. وقيل: قاله بعد أن غرق في نفسه، والذي يحكى: "أنه حين قال: (آمَنَتْ) أخذ جبريل عليه السلام من حال البحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات): يريد بالمعنى الواحد: ما لو تلفظ به في حال الاختيار عن صدق منه، لقبل منه، وانخرط في سلك امؤمنين الناجين، هذا على قراءة كسر "إن" في (أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ) الآية؛ صريح.
أما قوله: (آمَنَتْ) فإخبار عن نفسه في الزمان الماضي أنه صدر منه الإيمان المعتبر الذي عليه بنو إسرائيل، لأن الإيمان حينئذ قطع عن متعلقه، فصار كقولهم: فلان يعطي ويمنع، إما باعتبار العموم أو الإطلاق. وأما قوله: (وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فهو أبلغ منه؛ لأنه ادعى بالبرهان أنه دخل في زمرة المسلمينن وصار معدوداً فيهم.
قوله: (ألجمه الغرق): في الحديث: "يبلغ العرق منهم ما يلجمهم"، أي: يصل إلى أفواههم، فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام.
قوله: (من حال البحر)، النهاية: "الحال: الطين الأسود كالحمأة".