فكيف قيل لهم: أتقولون أسحر هذا؟ قلت: فيه أوجه: أن يكون معنى قوله (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ): أتعيبونه وتطعنون فيه، وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه، من قولهم: فلا يخاف القالة، وبين الناس تقاول: إذا قال بعضهم لبعض ما يسوؤه، ونحو القول: الذكر، في قوله (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) (الأنبياء: 60)، ثم قال (أَسِحْرٌ هذا) فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه.

وأن يحذف مفعول (أتقولون)، وهو ما دل عليه قولهم: (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ)، كأنه قيل: أتقولون ما تقولون؟ يعنى قولهم: (إن هذا لسحر مبين)، ثم قيل: (أسحر هذا). وأن يكون جملة قوله: (أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) حكاية لكلامهم، كأنهم قالوا: أَجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)، كما قال موسى للسحرة: (ما جئتم به السحر، إنّ الله سيبطله) [يونس: 81].

(لِتَلْفِتَنا): لتصرفنا، واللفت والفتل: أخوان، ومطاوعهما: الالتفات والانفتال، (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يعنون عبادة الأصنام، (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) أي: الملك، لأنّ الملوك موصوفون بالكبر، ولذلك قيل للملك: الجبار، ووصف بالصيد والشوس،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ووصف بالصيد)، الجوهري: "الصيد- بالتحريك-: مصدر للأصيد، وهو الذي يرفع رأسه كبراً، ومنه قيل للملك: أصيد، وأصله في البعير يكون به داء في رأسه فيرفعه، ويُقال: إنما قيل للملك: أصيد؛ لأنه لا يلتفت يميناً وشمالاً".

و"الشوس" بالتحريك: النظر بمؤخر العين تكبراً أو تغيظاً، فعلى هذا: الكبرياء من لوازم الملك، فيكون كناية عنه، قال الزجاج: "وإنما سُمي الملك كبرياء؛ لأنه أكبر ما يُطلب من أمر الدنيا".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015