قال: "أتشكرون في الرخاء؟ " قالوا: نعم. قال: صلى الله عليه وسلم: "مؤمنون ورب الكعبة"، فجلس، ثم قال: "يا معشر الأنصار، إن الله عزّ وجلّ قد أثنى عليكم، فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط"، فقالوا يا رسول الله، نتبع الغائط الأحجار الثلاثة، ثم نتبع الأحجار الماء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم (فيه رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا).

وقرئ: "أن يطهروا"، بالإدغام، وقيل: هو عام في التطهر من النجاسات كلها. وقيل:

كانوا لا ينامون الليل على الجنابة، ويتبعون الماء أثر البول. وعن الحسن: هو التطهر من الذنوب بالتوبة. وقيل: يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم، فحموا عن آخرهم.

فإن قلت: ما معنى المحبتين؟ قلت: محبتهم للتطهر: أنهم يؤثرونه، ويحرصون عليه حرص المحب للشيء المشتهى له على إيثاره، ومحبة الله تعالى إياهم: أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم، كما يفعل المحب بمحبوبه.

[(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) 109].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال أبو البقاء: " (أَوَّلِ) يتعلق بـ (أُسِّسَ)، والتقدير عند البصريين: من تأسيس أول يوم، لأنهم يرون أن "مِن" لا تدخل على ابتداء الزمان، وأن ذلك لـ"مُنذ"، وهو ضعيف، لأن التأسيس المقدر ليس بمكان حتى تكون "مِن" لابتداء الغاية، ويدل على جواز دخول "مِن" على الزمان ما جاء في القرآن من دخولها على (قبل) و (بعد) ".

قوله: (المشتهى): بالفتح، فالضمير المستتر يعود إلى اللام، والمجرور في (لَهُ) إلى "المحب"، وجاز "المشتهي" بالكسر، فالمجرور يعود إلى "الشيء"، والمستتر يعود إلى اللام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015