كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف، (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) يعنى: أن السبب في استئذانهم: رضاهم بالدناءة وخذلان الله تعالى إياهم.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون قوله: (قُلْتَ لا أَجِدُ) استئنافاً مثله، كأنه قيل: إذا ما أتوك لتحملهم تولوا، فقيل: ما لهم تولوا باكين؟ فقيل: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) [التوبة: 92]، إلا أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض؟ قلت: نعم، ويحسن.
(لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) علة للنهى عن الاعتذار، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب وجب عليه الإخلال به، وقوله: (قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) علة لانتفاء تصديقهم، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن السبب في استئذانهم: رضاهم بالدناءة وخذلان الله إياهم): جعل الرضا والطبع سبباً واحداً للاستئذان، والظاهر أن قوله: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) كالتذييل لما سبق، فيكون الطبع سبباً للجهل المؤدي إلى الرضا بالدناءة والدعة، ويؤيده الفاء في قوله: (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، فالمجموع سبب لذلك المجموع، وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة. وكذلك جعل القاضي كلاً من الرضا والطبع سبباً مستقلاً.
قوله: (إذا ما أتوك لتحملهم تولوا): فإن قلت: كيف يكون إتيانهم للحملان سبباً للتولي إذا لم يقيد بقوله: (لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)؟ قلت: دل الإتيان للحملان على رغبتهم في التجهيز معه صلى الله عليه وسلم، ودل التولي على حرمانهم ما يرومونه، فصحت السببية.
قوله: ((قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) علة لانتفاء تصديقهم): فهو علة للعلة، يعني: قوله: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) استئناف لبيان موجب (لا تَعْتَذِرُوا)، وقوله: (قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ) استئناف آخر لبيان موجب (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ)، كأنه لما قيل: لا تعتذروا،