وإجابة له إلى مسألته إياه، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يرد سائلا، وكان يتوفر على دواعي المروءة، فعمل بعادات الكرام، وإكراماً لابنه الرجل الصالح، فقد روى أنه قال له: "أسألك أن تكفينه في بعض قمصانك، وأن تقوم على قبره، لا يشمت به الأعداء"، وعلماً بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره، فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان، وليكون إلباسه إياه لطفاً لغيره، فقد روى أنه قيل له: لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر؟ فقال: "إنّ قميصي لن يغنى عنه من الله شيئاً، وإن أؤمل في الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب"، فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج، لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ترحمه واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف، لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك، دعا المسلم إلى أن يتعطف على من واطأ قلبه لسانه ورآه حتما عليه.
فإن قلت: فكيف جازت الصلاة عليه؟ قلت: لم يتقدم نهى عن الصلاة عليهم، وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم، لما في ذلك من المصلحة، وعن ابن عباس: "ما أدرى ما هذه الصلاة، إلا أنى أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخادع".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإجابة له إلى مسألته): صح بالنصب عطفاً على "مكافأة له"، وكذا "وإكراماً" و"عِلماً"، وكذا قوله: "وليكون إلباسه إياه لُطفاً لغيره"، وإنما أدخل اللام في الأخير لأن الكون ليس فعلاً لفاعل الفعل المعلل.
قوله: (وعن ابن عباس: ما أدري ما هذه الصلاة): روينا عن البخاري الترمذي والنسائي عن عمر رضي الله عنه قال: "لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، وقلت: يا رسول الله، أتُصلي