قال: أهلكك حب اليهود، فقال: يا رسول الله، بعثت إليك لتستغفر لي، لا لتؤنبنى، وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده، ويصلى عليه، فلما مات دعاه ابنه حباب إلى جنازته، فسأله عن اسمه، فقال: أنت عبد الله ابن عبد الله، الحباب: اسم شيطان، فلما همّ بالصلاة عليه قال له عمر: أتصلي على عدوّ الله؟ فنزلت. وقيل: أراد أن يصلى عليه، فجذبه جبريل.
فإن قلت: كيف جازت له تكرمة المنافق وتكفينه في ثوبه؟ قلت: كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له. وذلك أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أخذ ببدر أسيرا، لم يجدوا له قميصاً، وكان رجلا طوالا، فكساه عبد الله قميصه. وقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد، ولكنا نأذن لك، فقال: لا، إن لي في رسول الله أسوة حسنة، فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا لتؤنبني)، الجوهري: "أنبه تأنيباً: عنفه ولامه".
قوله: (وسأله أن يكفنه في شعاره): عن البخاري ومسلم عن جابر قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبيٍّ بعدما أُدخل حفرته، فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه، ونفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، قال: وان كسا عباساً قميصاً".
وفي رواية: "قال له ابن عبد الله: ألبس عبد الله قميصك الذي يلي جلدك".
وفي أخرى: "لما كان يومُ بدر أتى بأسارى، وأتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصاً، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي، يقدر عليه، فكساه إياه، فذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه". قال ابن عيينة: "كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد، فأحب أن يكافئه".