ولا تقول: سيرت بالدابة، ولكنه ذهب إلى المعنى، كأنه قيل: إن ترحم طائفة، فأنث لذلك، وهو غريب، والجيد قراءة العامّة: "إن يعف عن طائفة"، بالتذكير، و"تعذب طائفة"، بالتأنيث. وقرئ: "إن يعف عن طائفة يعذب طائفة"، على البناء للفاعل، وهو الله عزّ وجل.
[(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) 67 - 68].
(بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أريد به نفى أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في قولهم: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) [التوبة: 56]، وتقرير قوله: (وَما هُمْ مِنْكُمْ) [التوبة: 56]، ثم وصفهم بما يدل على مضادّة حالهم لحال المؤمنين: (يَامُرُونَ بِالْمُنْكَرِ): بالكفر والمعاصي، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ): عن الإيمان والطاعات، (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) شحا بالمبارّ والصدفات والإنفاق في سبيل الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتكذيبهم في قولهم: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) [التوبة: 56]، وتقرير قوله: (وَمَا هُمْ مِنْكُمْ) [التوبة: 56]): بيان لاتصال هذه الآية بما قبلها، وذلك أنه سبحانه وتعالى لما عد فضائح المنافين وحكى قبائحهم - من قوله: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) [التوبة: 42]، وقوله: (إِنَّمَا يَسْتَاذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [التوبة: 45]، وقوله: (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة: 49]، وقوله: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) [التوبة: 50]، وقوله: (قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [التوبة: 53]، وقوله: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) [التوبة: 56]، وقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) [التوبة: 58]، وقوله: (وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ) [التوبة: 61]، وقوله: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ) [التوبة: 64]، خص من بين المذكورات ما هو أقبحها وأشنعها من الكذب المحض والزور البحت - وهو