حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير، وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته.

(لا تَعْتَذِرُوا): لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة، فإنها لا تنفعكم بعد ظهور سركم، (قَدْ كَفَرْتُمْ): قد أظهرتم كفركم باستهزائكم (بَعْدَ إِيمانِكُمْ): بعد إظهاركم الإيمان، "إِنْ يعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ" بإحداثهم التوبة وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق، "نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ" مصرين على النفاق غير تائبين منه، أو: "إن يعف عن طائفة منكم" لم يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستهزءوا فلم نعذبهم في العاجل، تعذب في الآجل طائفة بأنهم كانوا مجرمين مؤذين لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزئين.

وقرأ مجاهد: "إن تعف عن طائفة" على البناء للمفعول مع التأنيث، والوجه التذكير، لأن المسند إليه الظرف، كما تقول: سير بالدابة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه المذكورات، لأن همزة التقرير، على سبيل التوبيخ، المصدرة على الجار والمجرور، المقدم على عامله: مؤذنة بأن الاستهزاء واقع لا محالة، لكن الخطأ في المستهزأ به، يعني: مكان الاستهزاء غير المذكورات، فأخطأتم حيث جعلتموها مكانه، قال صاحب "المفتاح": "لا يجوز بعدما عرفت أن التقديم يستدعي العلم بحال نفس الفعل وقوعاً: أزيداً ضربت، سائلاً عن حال وقوع الضرب، وذلك أن تقديم المفعول يستدعي حصول الفعل، كما عرفت في باب التقديم، وأن السؤال عن وقوع الضرب يستدعي عدم حصوله". هذا معنى قول المصنف: "وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته".

قوله: (والوجه التذكير؛ لأن المسند إليه الظرف) إلى آخره: حكاية كلام ابن جني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015