ووجهه أن يكون "يفيعل" لا: "يفعل" لأنه من بنات الواو، كقولهم: الصواب، وصاب السهم يصوب، ومصاوب؛ في جمع "مصيبة"، فحق "يفعل" منه "يصوّب"، ألا ترى إلى قولهم: صوّب رأيه؟ إلا أن يكون من لغة من يقول: صاب السهم يصيب، ومن قوله:
أسهمي الصائبات والصيب
واللام في قوله: (إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا) مفيدة معنى الاختصاص، كأنه قيل: لن يصيبنا إلا ما اختصنا الله به، بإثباته وإيجابه من النصرة عليكم أو الشهادة، ألا ترى إلى قوله: (هُوَ مَوْلانا) أي: الذي يتولانا ونتولاه، (ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم) [محمد: 11] (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ): وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله، فليفعلوا ما هو حقهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والوجه أن "فَعَلَ" في الكلام أكثر من "فيعل"، والمصنف اختار الأول.
قوله: (ألا ترى إلى قوله: (هُوَ مَوْلانَا)؟ ): يعني: (هُوَ مَوْلانَا) يبين أن معنى اللام في (كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) الاختصاص، وتخصيص قولنا: (لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) بالنصرة والشهادة دون الخذلان والشقاوة الأبدية، كما هو مصير حالكم؛ لأنا مؤمنون وأن (اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد: 11].
قوله: (وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله سبحانه وتعالى): يعني: قدم صلة (فَلْيَتَوَكَّلْ) عليه ليُفيد التخصيص، ووضع المؤمنين على إرادة الجنس موضع ضمير المتكلم؛ ليؤذن بأن شأن المؤمن اختصاص التوكل بالله، وجيء بالفاء الجزائية ليشعر بالترتب، أي: إذا كان لن يصيبنا إلا ما اختصنا الله تعالى به من النصرة أو الشهادة، وأنه يتولى أمرنا، فلنفعل ما هو حقنا من اختصاصه بالتوكل، وإليه الإشارة بقوله: "فليفعلوا ما هو حقهم"، كأنه قوبل قول المنافقين: (قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا)، "أي: أخذنا أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم" بهذه الفاصلة، والمعنى: دأب المؤمنين أن لا يتوكلوا على حزمهم وتيقظ أنفسهم كما هو دأب المنافقين ذلك، بل أن يتوكلوا على الله وحده، ويفوضوا أمورهم إليه.