فإن قلت: فما العامل في (إذا)، وحرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه؟ قلت: ما دلّ عليه قوله: (اثَّاقَلْتُمْ)، أو ما في (مالَكُمْ) من معنى الفعل، كأنه قيل: ما تصنعون إذا قيل لكم؟ كما تعمله في الحال إذا قلت: مالك قائماً؟
وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر، بعد رجوعهم من الطائف، استنفروا في وقت عسرة وقيظ وقحط مع بعد الشقة وكثرة العدو، فشق عليهم. وقيل: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلا ورّى عنها بغيرها، إلا في غزوة تبوك؛ ليستعدّ الناس تمام العدة.
(مِنَ الْآخِرَةِ) أي: بدل الآخرة، كقوله: (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) [الزخرف: 60]، (فِي الْآخِرَةِ): في جنب الآخرة.
(إِلَّا تَنْفِرُوا) سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم، ويستبدل بهم قومًا آخرين خيراً منهم وأطوع، وأنه غنى عنهم في نصرة دينه، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ...
قوله: (وحرف الاستفهام مانعة): أي: منع أن يعمل (اثَّاقَلْتُمْ) في الظرف؟ وأجاب: أن العامل معنى (اثَّاقَلْتُمْ)، وهو: ملتم، مثاله: (أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [الرعد: 5]، أي: أنعاد إذا كنا تراباً؟
قوله: (الشقة): وهي السفر البعيد.
قوله: (ورى عنها): هو من: وريث الخبر تورية: إذا سترته وأظهرت غيره.
قوله: (وأنه يهلكهم): عطف على قوله: "عذاب أليم" على سبيل التفسير، ليصح عطف "ويستبدل" عليه، وكذلك قوله: "وأنه غني عنهم"، يعني: دل جواب الشرط- وهو (يُعَذِّبْكُمْ) - وما عُطف عليه، على الإخبار بأنهم إن لا ينفروا يستحقوا سخطاً عظيماً من الله تعالى، بأن يجمع لهم عذاب الدارين، وانه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين، وأن ذلك لا يضر الله شيئاً، لأنه غني عنهم في نُصرة دينه.