قلت: كان هذا قبل أن تفرض الزكاة، فأمّا بعد فرض الزكاة، فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه، ويؤدّى عنه ما أوجب عليه فيه، ثم يعاقبه، ولقد كان كثير من الصحابة، كعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، يقتنون الأموال ويتصرفون فيها، وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية، لأنّ الإعراض اختيار للأفضل والأدخل في الورع والزهد في الدنيا، والاقتناء مباح موسع لا يذمّ صاحبه، ولكل شيء حدّ، وما روى عن علىّ رضي الله عنه:

"أربعة آلاف فما دونها نفقة، فما زاد فهو كنز" كلام في الأفضل.

فإن قلت: لم قيل: (ولا ينفقونها)، وقد ذكر شيئان؟ قلت: ذهاباً بالضمير إلى المعنى دون اللفظ؛ لأن كل واحد منهما جملة وافية، وعدة كثيرة ودنانير ودراهم، ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.

قوله: (لم قيل: (وَلا يُنفِقُونَهَا)، وقد ذُكر شيئان؟ ) الراغب: أعيد الضمير إلى الفضة دون الذهب؛ لأن حبس الفضة عن الناس أعظم ضرراً؛ إذ الحاجة إليها أمس، ومنعها للمضرة أجلب، وعلى ذلك أيضاً قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا) [الجمعة: 11]، أعيد الضمير إلى التجارة دون اللهو لما كانت سبب انفضاض الذين نزلت الآية فيهم.

وقال الإمام: "إنما خُلق الأموال ليتوسل بها إلى دفع الحاجات، فإذا حصل للإنسان قدر ما يدفع به حاجته، ثم جمع الأموال الزائدة عليه، فهو لا ينتفع بها، لكونها زائدة على قدر حاجته، ومنعها من الغير ليدفع بها حاجته، كأنه منع من ظهور حكمة الله، ومن وصول إحسانه إلى عبيده".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015