فإن قلت: كيف جاز: "أبى الله إلا كذا"،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله: (وَيَأبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ترشيح للاستعارة، لأن إتمام النور زيادة في استنارته وفشو ضوئه، فهو تفريع على الأصل، أي: المشبه به، وقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) تجريد للاستعارة، وتفريعٌ على الأصل، ورُوعي في كل من الممثل والممثل به معنى الإفراط والتفريط، حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله تعالى، وما شأن نور يُضاف إلى الله تعالى، وكيف السبيل إلى إطفائه، لا سيما بالفم! ومن ثم قال: "في نور عظيم منبث في الآفاق"، وتمم كلاً من الترشيح والتجريد بقوله: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وأوهم التناسب بين الكفر والإطفاء، لأن الكفر التغطية والستر، وبين الشرك ودين الحق، لأن دين الحق التوحيد.

ويجوز أن يُجعل (نُورَ اللَّهِ) استعارة تحقيقية، والقرينة الإضافة، والمراد بالنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) [الأحزاب: 45 - 46]، شبهه صلوات الله عليه - لما جلى الله تعالى به ظلمات الشرك، وهدى به الضالين- بالنور وبالسراج المنير الذي يحرق ظلمات الليل البهيم، فيهتدى به، ثم أطلق اسم النور أو السراج على المشبه المتروك، ثم رشح الاستعارة بـ (يُطْفِئُوا)، لأنه صفة ملائمة للمشبه به، وهو السراج، ولذلك قال: (بِأَفْواهِهِمْ)، وأما قوله: (وَيَابَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) وقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ)، فكما سبق في الاستعارة الأولى، والله أعلم.

قوله: (كيف جاز: أبي الله إلا كذا)، أي: كيف جاز أن يكون الاستثناء المفرغ في الكلام الموجب؟ قال الزجاج: "زعم بعض النحويين أن في "يأبى" طرفاً من الجحد، والجحد والتحقيق ليسا بذوي أطراف، وأداة الجحد "لا" و"ما" و"لم" و"لن" و"ليس"، ولا يكون الإيجاب جحداً، ولو جاز هذا لجاز: كرهت إلا أخاك، ولا دليل هاهنا على المكروه ما هو؟ لكن معناه: يأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015