وهو قول ناس من اليهود ممن كان بالمدينة، وما هو بقول كلهم، عن ابن عباس: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الضيف، فقالوا ذلك. وقيل: قاله فنحاص. وسبب هذا القول: أنّ اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام، فرفع الله عنهم التوراة، ومحاها من قلوبهم، فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض، فأتاه جبريل، فقال له: إلى أين تذهب؟ قال: أطلب العلم فحفظه التوراة، فأملاها عليهم عن ظهر لسانه، لا يخرم حرفا، فقالوا: ما جمع الله التوراة في صدره، وهو غلام، إلا أنه ابنه.
والدليل على أن هذا القول كان فيهم: أن الآية تليت عليهم، فما أنكروا ولا كذبوا، مع تهالكهم على التكذيب.
فإن قلت: كل قول يقال بالفم، فما معنى قوله" (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ)؟ قلت: فيه وجهان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
على الموصوف بناء الخبر عليه، فحينئذ يرجع التكذيب على جعل الوصف علة للخبر، فبطل ذلك التمحل.
قوله: (وما هو بقول كلهم): اعتذار عن نسبة هذه الهيئة إلى اليهود، وهم يتبرؤون عنه. قال الإمام: "القائل بهذا المذهب بعض اليهود، إلا أنه نسب ذلك إلى الجميع بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على الواحد"، ثم قال: "ولعل هذا المذهب كان فاشياً فيهم، ثم انقطع، فحكى الله تعالى عنهم، ولا عبرة بإنكار اليهود لذلك، فإن حكاية الله عنهم أصدق".
قوله: (فيه وجهان): فإن قلت: فهلا يعتبر التأكيد، نحو: رأيته بعيني، وقلته بفمي، وأخذته بيدي؟ قلت: يأباه المقام؛ لأن المقصود الإخبار عن ذلك القول الشنيع الذي يخرج من أفواههم، من غير تحاش ولا مبالاة، كقوله تعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ