بخلاف المطيع المنقاد، ولذلك قالوا: أعطى بيده: إذا انقاد وأصحب، ألا ترى إلى قولهم: نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو: حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة، لا مبعوثا على يد أحد، ولكن عن يد المعطى إلى يد الآخذ.
وأما على إرادة يد الآخذ: فمعناه: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، أو: عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم، وترك أرواحهم لهم: نعمة عظيمة عليهم.
(وَهُمْ صاغِرُونَ) أي: تؤخذ منهم على الصغار والذل، وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب، ويسلمها وهو قائم، والمتسلم جالس، وأن يتلتل تلتلة، ويؤخذ بتلبيبه، ويقال له: أدّ الجزية، وإن كان يؤدّيها ويزخ في قفاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إذا انقاد وأصحب)، الأساس: "أصحب له الرجل والدابة: إذا انقاد له، ومعناه: دخل في صحبته بعد أن كان نافراً عنه، أو صار ذا صاحب".
قوله: (عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثاً): "غير نسيئة" و"لا مبعوثاً" صفتان لـ "نقد"؛ الأولى: صفة مؤكدة، والثانية: مميزة، وذلك أن "عن عَنْ يَدٍ إلى يد" صريحة أن يأخذ المستحق حقه من يد الغريم إلى يده، ثم صار كناية عن المنجز مطلقاً، سواء أعطاه من يده إلى يد، أو بعثه إلى يد غيره، فهاهنا لو اقتصر على قوله: "نقداً غير نسيئة" لاحتمل المعنى الآخر، فقال: "لا مبعوثاً على يد غيره"؛ ليشملهما معاً، ومقام التحقير والهوان يقتضيه، فوجب حمله عليهما، ونظيره قوله تعالى: (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) [الأعراف: 149] فإنه كناية عن الندم، ولا يمتنع من إرادة عض اليد معه أيضاً، لأن الكناية لا تنافي إرادة حقيقته.
قوله: (يتلتل تلتلة)، الأساس: "تلتله: أزعجه. ولقوا منه التلاتل".
قوله: (ويُزخ في قفاه)، الجوهري: "زخه: دفعه في وهدة، وفي الحديث: (ومن يتبعه القرآن يزخ في قفاه حتى يقذف به في نار جهنم) "، أخرجه الدارمي.