ما دام نبيهم بين أظهرهم، وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم، والدليل على هذا الإشعار قوله: (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ) وإنما يصح هذا بعد إثبات التعذيب، كأنه قال: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وهو معذبهم إذا فارقتهم، وما لهم أن لا يعذبهم.

(وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) في موضع الحال، ومعناه: نفى الاستغفار عنهم، أي: ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم، كقوله: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) [هود: 117]، ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، ولا يتوقع ذلك منهم.

وقيل: معناه: وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر، وهم المسلمون بين أظهرّهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المستضعفين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ومعناه: نفي الاستغفار عنهم): يعني: ليست هذه القرينة كالقرينة الأولى إلا في انتفاء العذاب لوجود الاستغفار، كانتفائه لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، لاقترانها بها؛ إذ المعنى: استحقاق العذاب يدل على عدم الاستغفار، إذ لو استغفروه ما استحقوه، وهو نوع من الكناية. ونظيره: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، يعني: إهلاكهم دليل على إفسادهم، إذ لو أصلحوا ما أهلكهم، لأن الله ليس بظلام للعبيد.

انظر إلى مرتبة الاستغفار وعظم موقعه، كيف قُرن حصوله مع وجود سيد البشر في استدفاع البلاء؟

روينا عن أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".

قوله: (وقيل: معناه): هذا الوجه أبلغ من الأول؛ لما دل على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال أولئك الكفرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015