ولكنها تعمكم، وهذا كما يحكى: "أن علماء بني إسرائيل نهوا عن المنكر تعذيراً، فعمهم الله بالعذاب". وإذا كانت نهياً بعد أمر: فكأنه قيل: واحذروا ذنباً أو عقاباً، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب -أو أثر الذنب ووباله- من ظلم منكم خاصة، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول، كأنه قيل: واتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبنّ، ونظيره قوله:

حتى إذَا جَنَّ الظَّلَامُ وَاخْتَلَطْ ... جَاؤُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئْبَ قَطْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إخراجه مخرج الكناية لشدة الاهتمام، على هذا تقدير الوصف و"لا" ناهية. وأما إذا جُعل صفة و"لا" نافية: فلا يون فيه مبالغة، فينخرط في الوجه الأول في إفادة العموم.

هذا ما يمكن أن يقال في هذا المقام الصعب، وهو من حيات وعقارب هذا الكتاب.

قوله: (تعذيراً): أي: وهو نصبٌ على الحال، أي: مقصرين. الجوهري: "التعذير: التقصير"، وقيل: تعذيراً: من عذر: إذا أزال العذر، كقرد البعير: إذا أزال القُراد.

قوله: (وكذلك إذا جعلته صفة): أي: كذلك إذا جعلته صفة تختص إصابة الفتنة بهم، وقيل: كذلك إذا جعلته صفة فهو نهي، والوجه هو الأول؛ لقوله: "ويعضد المعنى الأخير قراءة ابن مسعود: "لتصيبن"، على جواب القسم"، والنهي لا يفارقه.

قوله: (جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط): أنشده ابن جني في "المحتسب"، قبله:

ما زلت أسعى معهم وأختبط ... حتى إذا جاء الظلام المختلط

جاؤوا بضيح هل رأيت الذئب قط

الضيح: هو اللبن المخلوط بالماء، وهو يضرب إلى الخضرة، أي: جاؤوا بضيح يشبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015