والفاء جواب شرط محذوف تقديره: إن افتخرتم بقتلهم، فأنتم لم تقتلوهم (وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ)، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر، وقوّى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع.
(وَما رَمَيْتَ) أنت يا محمد (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى)، يعنى: أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها، لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله، حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ صورتها وجدت منه، ونفاها عنه؛ لأنّ أثرها الذي لا يطيقها البشر فعل الله عزّ وعلا، فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلا.
وقرئ: "ولكن الله قتلهم"، "ولكن الله رمى"، بتخفيف "لكن"، ورفع ما بعده. (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ): وليعطيهم، (بَلاءً حَسَناً): عطاءً جميلاً، قال زهير:
فَأبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه) إلى قوله: (فكان الله هو فاعل الرمية على الحقيقة): صريح في مذهب أهل السنة، قال الإمام رحمه الله: "أثبت كونه صلى الله عليه وسلم رامياً، ونفى كونه رامياً، فوجب حمله على أنه رماه كسباً، والله تعالى رماه خلقاً".
قوله: (لأن أثرها الذي لايطيقها البشر فعل الله): نظر إلى لفظ "الأثر"، فذكر وصفه في "الذي"، وإلى اكتسائه التأنيث بالإضافة، فأنث الراجع في "لا يطيقها".
قوله: (فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو): أوله:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم