منهم يوم حنين حين تولوا مدبرين، وهم زحف من الزحوف اثني عشر ألفاً، وتقدمة نهى لهم عن الفرار يومئذ، وفي قوله: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) أمارة عليه.

(إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) هو الكرّ بعد الفرّ، يخيل عدوّه أنه منهزم، ثم يعطف عليه، وهو باب من خدع الحرب ومكايدها، (أَوْ مُتَحَيِّزاً): أو منحازاً، (إِلى فِئَةٍ): إلى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها.

وعن ابن عمر رضي الله عنه: "خرجت سرية وأنا فيهم، ففرّوا، فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا، فدخلوا البيوت، فقلت: يا رسول الله، نحن الفرّارون؟ فقال: بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وتقدمه نهي): عطف من حيث المعنى على قوله: "كأنهم أشعروا"، أي: كأنهم أشعروا وكأنه تقدمة نهي لهم، أي: قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية- على أن يكون (زَحْفاً) حالاً من المؤمنين - إشعار بما سيكون منهم وتقدمة نهي.

قوله: (وفي قوله: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) الآية، أمارة عليه): أي: على أنه تقدمة نهي لهم عن الفرار، وذلك أن التحيز إلى فئة إنما يصح إذا كان للمسلمين فئة ينحازون إليها، ويوم بدر لم يكن لهم في الأرض فئة، وأما بعد ذلك فالمسلمون كثروا، يدل عليه قوله تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) [التوبة: 25].

قوله: (وعن ابن عمر: خرجت سرية) الحديث: أخرجه أحمد بن حنبل والترمذي وأبو داود مع اختلاف فيه.

قوله: (أنتم العكارون): أي: الكرارون إلى الحرب والعطافون نحوها، يُقال للرجل يولي عن الحرب ثم يكر راجعاً إليها: عكر واعتكر. قاله صاحب "النهاية".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015