فإن قلت: هل يجوز أن ينتصب على أنّ الأمنة للنعاس الذي هو فاعل "يغشاكم"؟ أي: يغشاكم النعاس لأمنه، على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازى، وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم؟ وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم، على طريقة التمثيل والتخييل؟ قلت: لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله، وله فيه نظائر، وقد ألم به من قال:
يهاب النّوم أن يغشى عيونًا ... تهابك فهو نفّار شرود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة الثانية، يعني: "يغشيكم" بضم الياء وتخفيف الشين، والثالثة، أي: (يُغَشِّيكُمْ)؛ بالتشديد؟ أجاب: بأن الفاعل على القراءتين هو الله تعالى، أي: ينعسكم الله تعالى إيماناً منه، أو يغشيكم الله النعاس فتنعسون أمناً، على أن عامله مضمر، و (آمِنَةً) بمعنى: أمناً.
قوله: (هل يجوز أن ينتصب؟ ): هذا السؤال أيضاً وارد على القراءة الأولى.
قوله: (على طريقة التمثيل والتخييل): أي: على أنه من الاستعارة المكنية، شبه النعاس بشخص طالب للأمن، ثم خيل أنه إنسان بعينه، حيث أثبت له على سبيل الاستعارة التخييلية الأمنة التي هي من لوازم المشبه به، وجعل نسبتها إليه قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، وفيه إغراق في الوصف، لأنه جعل النعاس الذي هو سبب للأمن بسبب غشيانه غياهم ملتمساً للأمن منهم.
قوله: (يهاب النوم) البيت: قيل: إنه للمصنف. "تهابك": صفة لـ "عيونا".
"نفار": مبالغة من: نفرت الدابة نفاراً، و"شرود": من: شرد البعير، أي: مستعصى