فإن قلت: ما موقع قوله: (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)؟ قلت: هو عطف بيان لـ (ميثاق الكتاب). ومعنى (ميثاق الكتاب): الميثاق المذكور في الكتاب، وفيه أن إثبات المغفرة بغير توبةٍ خروجٌ عن ميثاق الكتاب، وافتراءٌ على الله، وتقوّلٌ عليه ما ليس بحق. وإن فسر (ميثاق الكتاب) بما تقدم ذكره كان (أَنْ لا يَقُولُوا) مفعولاً له. ومعناه: لئلا يقولوا، ويجوز أن تكون (أَن) مفسرة، و (لا يَقُولُوا) نهياً، كأنه قيل: ألم يقل لهم: لا تقولوا على الله إلا الحق؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (هو عطف بيانٍ لـ (ميثاق الكتاب): أجاب عن السؤال بوجهين:

أحدهما: أن (أن) في (أن لا يقولوا) ناصبة للفعل، وهو إما تفسير (ميثاق الكتاب) والإضافة، بمعنى: في أي الميثاق المذكور في الكتاب، وهو (أن لا يقولوا على الله إلا الحق). وفي جملة ذلك ألا يقولوا: إن الله يغفر الذنوب العظام بغير توبة.

وإما مفعول به، و (ميثاق الكتاب) مبهم لا يعلم ما هو. فاخترع أن بيانه وتفسيره: من ارتكب ذنباً عظيماً، فإنه لا يغفر إلا بالتوبة. أي: أما تقرر وأخذ ميثاقكم أن من ارتكب ذنباً عظيماً لا يغفر له إلا بالتوبة، لئلا يقولوا على الله إلا الحق؟

وثانيهما: أن (أن) مفسرة، لأن في قوله تعالى: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الكِتَابِ) معنى القول، أي: ألم يقل لكم: لا تقولوا على الله إلا الحق؟ وهو ذلك القول بزعمه واختراعه.

وقلت: الحق أن الإنكار والتوبيخ واردان على ترك استحفاظهم كلام الله، والتمادي في التحريف والتغيير، وعليه أخذ الله ميثاقهم كقوله تعالى: (إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ونُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا والرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ) [المائدة: 44]، قال المصنف: "بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التغيير والتبديل"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015