فلما لم ينتهوا قال المسلمون: إنا لا نُساكنكم، فقسموا القرية بجدار: للمسلمين باب، وللمعتدين باب، ولعنهم داود عليه السلام، فأصبح الناهون ذات يومٍ في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن للناس شأناً، فعلوا الجدار فنظروا، فإذا هم قردة، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القرود أنسباءها من الإنس، والإنس لا يعرفون أنسباءهم من القرود، فجعل القرد يأتي نسيبه فيشم ثيابه ويبكي، فيقول: ألم ننهك؟ فيقول برأسه: بلى، وقيل: صار الشباب قردة، والشيوخ خنازير.

وعن الحسن: أكلوا - والله - أوخم أكلةٍ أكلها أهلها، أثقلها خزياً في الدنيا، وأطولها عذاباً في الآخرة، هاه! وايم الله، ما حوتٌ أخذه قومٌ فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم. ولكن الله جعل موعدا، (والساعة أدهى وأمرّ) [القمر: 46].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أوخم أكلةٍ)، الأساس: "أوخمه الطعام، فوخم، واتخم، وأصابته التخمة".

الرواية: "أكلة"، بفتح الهمزة، ويجوز ضمها. فالفتح: المصدر، والضم: الاسم. والضمير في "أكلها" يجوز أن يكون مفعولاً به، وأن يكون مفعولاً مطلقاً للتأكيد.

قوله: (أكلها أهلها): صفة "أكلة". وفي الكلام معنى التعجب، أي: أكلوا - والله - أكلةً ما أوخمها من جهة الأكل! وما أثقلها من جهة الخزي! وما أطولها من جهة العذاب!

قوله: (ولكن الله جعل موعداً)، أي: إن لم يعذب قاتل النفس في الدنيا، على أن قتل النفس أعظم من تلك الأكلة، لكن الله يعذبه في الآخرة (والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)، هذه في الدنيا، وأما في الآخرة فالأمر أشد وأفظع. والداهية: الأمر المنكر، الذي لا يهتدي لدوائه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015