[(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)].
(غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ) الغضب: ما أمروا به من قتل أنفسهم، والذلة: خروجهم من ديارهم، لأنّ ذل الغربة مثلٌ مضروب. وقيل: هو ما نال أبناءهم- وهم بنو قريظة والنضير- من غضب الله تعالى بالقتل والجلاء، ومن الذلة بضرب الجزية.
(الْمُفْتَرِينَ): المتكذبين على الله، ولا فرية أعظم من قول السامري: هذا إلهكم وإله موسى [طه: 88] ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وأنت أرحم الراحمين)، وهذا من أسلوب قوله: (وأصلح لي في ذريتي) [الأحقاف: 15].
قوله: (الغضب: ما أمروا به من قتل أنفسهم): قال محيي السنة: "هو قول أبي العالية".
وقلت: وهو مأخوذ من قوله تعالى: (فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54] وذلك أنه تعالى لما بين أن القوم ندموا على عبادة العجل بقوله: (ولَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ورَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا)، والندم توبة، ولذلك عقبوه بقوله: (لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ لَنَا)، وذكر غضب موسى على أخيه عليهما السلام ثم استغفاره بقوله: (رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأَخِي) - اتجه لسائلٍ أن يقول: يا رب إلى ماذا مصير ندم القوم وتوبتهم واستغفار نبي الله؟ وهل قبل الله توبتهم؟ فأجاب: (إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ)، أي: نعم، قبل توبة موسى وأخيه، وغفر له ولأخيه خاصة، وكان من تمام توبة القوم أن أمرهم الله تعالى بقتل أنفسهم، فوضع (الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ) موضع "القوم" إشعاراً بالعلية، والله أعلم.