فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك وخافوا أن يغلبوا على الملك، وقيل: صنع فرعون لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه، كما يعبد عبدة الأصنامِ الأصنامَ، ويقولون: ليقربونا إلى الله زلفى، ولذلك قال: (أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24].
(سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) يعني: سنعيد عليهم، ما كنا محناهم به من قتل الأبناء، ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر، وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، وأن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي أخبر المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده، فيثبطهم ذلك عن طاعتنا، ويدعوهم إلى اتباعه، وأنه منتظر بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ..
لأن المراد بالفساد إما ما هو المتعارف، قال تعالى: (لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ) [البقرة: 205] أو غير المتعارف، وهو إيمان ست مئة ألف نفس، يدل عليه قوله: "فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك".
قوله: (أن يغلبوا على الملك)، الأساس: "غلبته على الشيء: أخذته، وهو مغلوب عليه".
قوله: (محناهم) وهي: من المحنة التي هي واحدة المحن، الذي يمتحن به الإنسان من بلية.
قوله: (وأنه منتظر)، قيل: هو معطوف على قوله: "إنه هو المولود" على أسلوب قوله:
علفتها تبناً وماءً باردا
المعنى: سنقتل أبناءهم، ليعلم بنو إسرائيل أنا على ما كنا عليه، وأن غلبة موسى لا أثر لها، ولئلا يتوهم العامة من القبط أن موسى هو المولود الذي تحدث به المنجمون، وليوقنوا أن ذلك المولود منتظر بعد، وليس بموسى.