(مِنْ بَعْدِهِمْ) الضمير للرسل في قوله: (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) [الأعراف: 101]، أو للأمم، (فَظَلَمُوا بها): فكفروا بآياتنا، أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من وادٍ واحد؛ (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، أو: فظلموا الناس بسببها حين أو عدوهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الضمير للرسل في قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلهم) أو للأمم): وفي تأخير العطف عن قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلهم) إشعار بأن الضمير للرسل أوفق، لأن تلك القصص ذكرت تسليةً لرسول الله صلي الله عليه وسلم أصالة: (وكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود: 120].
يدل عليه قوله تعالى: (تِلْكَ القُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا) [الأعراف: 101]، وقوله: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ)، واعتبار الأمة تبعاً، يدل عليه قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَاتِيَهُم بَاسُنَا) إلى آخره.
ثم لما وبخهم وزجرهم وعنفهم، عاد إلى ذكر نبي هو أعظمهم آية، وأكثفهم أمة، وأشبع في بيان أحواله مع أمته. ولهذا أفرز قصته من قصصهم، وقال فيهم: (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا) أي: بعض أخبارها، وأطنب في قصته كل الإطناب.
والذي يقوي أن الضمير راجع إلى الرسل، أنه قيل: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى وهَارُونَ إلَى فِرْعَوْنَ) ولم يقل: ثم أنشأنا من بعدهم أمة فرعون، وبعثنا إليهم موسى.
قوله: (أو: فظلموا الناس بسببها): يريد أن "الظلم" هاهنا إما مضمن فيه معنى "الكفر"، بوساطة تعديته بالباء، أو على معناه، والباء سببية، وإنما كان الثاني ظلماً، لأن الآيات سبب لا يرغب الناس إلى الإيمان بها، فقلبوا، ووضعوا الشيء في غير موضعه، حيث جعلوها سبباً للصد عنها، وإيذاء الناس.