فإن قلت: فلم رجع فعطف بالفاء قوله: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ)؟ قلت: هو تكريرٌ لقوله: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) [الأعراف: 97]، "ومكر الله": استعارةٌ لأخذه العبد من حيث لا يشعر، ولاستدراجه، فعلى العاقل أن يكون في خوفه من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوّه الكمين والبيات والغيلة.
وعن الربيع بن خثيم، أن ابنته قالت له: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ فقال: يا بنتاه، إنّ أباك يخاف البيات، أراد قوله: (أَنْ يَاتِيَهُمْ بَاسُنا بَياتاً).
[(أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)].
إذا قرئ: (أَوَ لَمْ يَهْدِ) بالياء كان (أَنْ لَوْ نَشاءُ) مرفوعاً بأنه فاعله، ........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هو تكرير لقوله تعالى: (أفأمن أهل القرى)، فحينئذٍ (مكر الله) عبارة عما ذكره الله تعالى في قوله: (أن يأتيهم بأسنا بياتاً) الآيتين. والفاء في (فلا يأمن مكر الله) للعطف على مقدر، والهمزة في (أفأمنوا مكر الله) للتقرير والتوبيخ. يعني: بعد ما عرفوا ذلك أمنوا واطمأنوا؟ فإذا خسروا، لأنه (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
قال أبو البقاء: "الفاء هاهنا للتنبيه على تعقيب العذاب أمن مكر الله".
قوله: (والغيلة)، الجوهري: "الغيلة - بالكسر -: الاغتيال. يقال: قتله غيلةً، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله".
قوله: (إذ قرئ: (أو لم يهد) بالياء) التحتاني، وهي المشهورة، وبالنون: شاذة.