إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها، وهو يريد عود قومه، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب.

فإن قلت: فما معنى قوله: (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ)، والله تعالى متعالٍ أن يشاء ردّة المؤمنين وعودهم في الكفر؟ قلت: معناه: إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الألطاف، لعلمه أنها لا تنفع فينا وتكون عبثاً، والعبث قبيحٌ لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله: (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي: هو عالمٌ بكل شيءٍ مما كان وما يكون،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً) [البقرة: 26] في أحد وجهيه.

قال في "الانتصاف": "وقد يستعمل "عاد" - من أخوات "كان" - بمعنى "صار"، فلا يستدعي الرجوع إلى حالةٍ سابقة، بل عكس ذلك: وهو الانتقال من حال سابقة إلى حالٍ مستأنفةٍ كأنهم قالوا: أو لتصيرن كفاراً في ملتنا".

قوله: (والدليل عليه قوله تعالى: (وسع ربنا كل شيءٍ علماً): أي: والدليل على أن المراد بقوله تعالى: (إلا أن يشاء الله): إلا أن يشاء الخذلان، ومنع الألطاف، لا الردة، لأن منع الألطاف لازم لسبق علمه أن الألطاف لا تجدي، وتابع له، ولو أريد: أن يشاء العود إلى الكفر لم يكن لمجيء العلم فائدة.

والجواب: أن في ذكر العلم فائدةً جليلة، لأن المعنى: (وما يكون لنا) أي: ما يصح ولا يستقيم منا على ما نحن عليه من الثبات على الدين، بعد وضوح الآيات البينات، وشرح الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015