(بَعْدَ إِصْلاحِها): بعد الإصلاح فيها، أي: لا تفسدوا فيها بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم، وإضافته كإضافة قوله: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ: 33] بمعنى: بل مكركم في الليل والنهار، أو بعد إصلاحٍ أهلها، على حذف المضاف.
(ذلِكُمْ) إشارةٌ إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه.
ومعنى: (خَيْرٌ لَكُمْ) يعني: في الإنسانية وحسن الأحدوثة، وما تطلبونه من التكسب والتربح، لأن الناس أرغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والسوية، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): إن كنتم مصدقين لي في قولي: (ذلكم خيرٌ لكم).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الميداني: "أصل المثل أن رجلاً من بني العنبر جاورته امرأة، فنظر إليها، فحسبها حمقاء لا تعقل، ولا تحفظ مالها. فقال العنبري: ألا اخلط مالي ومتاعي بمالها ومتاعها، ثم أقاسمها، فآخذ خير متاعها، وأعطيها الردئ من متاعي؟ فقاسمها بعدما خلط متاعه بمتاعها، فلم ترض عند المقاسمة، حتى أخذت متاعها، ثم نازعته، وأظهرت له الشكوى، حتى افتدى منها بما أرادت، فعوتب عند ذلك، فقال: "تحسبها حمقاء وهي باخسة"، يضرب لمن يتباله. وفيه دهاء".
قوله: (يعني في الإنسانية وحسن الأحدوثة) أي: ما يتحدث به الناس، وهو من باب الاستدراج، وإرخاء العنان، لأن الكلام مع الكفار، ولو كان مع المؤمنين لقيل: لكان خيراً لكم عند الله من الثواب والدرجات، ولذلك فسر قوله: (إن كنتم مؤمنين) بقوله: "إن كنتم مصدقين"، وإنما قال: "مصدقين"، لأنهم ما كانوا مؤمنين مسلمين، وإن مثل هذا الشرط