فما ترفعه حتى تشرب كلّ ماء فيها، ثم تتفحج فيحتلبون ما شاؤوا حتى تمتلئ أوانيهم، فيشربون ويدخرون.
قال أبو موسى الأشعري: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً.
وكانت الناقة إذا وقع الحرّ تصيفت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم، فتهبط إلى بطنه، وإذا وقع البرد تشتت بطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان: عنيزة أمّ غنم، وصدقة بنت المختار، لما أضرّت به من مواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي، فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه، فانطلق سقبها حتى رقي جبلاً اسمه قارة، فرغى ثلاثاً، وكان صالحٌ قال لهم: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه وانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبحون غداً ووجوهكم مصفرّة، وبعد غدٍ ووجوهكم محمرةٌ، واليوم الثالث ووجوهكم مسودّة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه، فأنجاه الله إلى أرض فلسطين، ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحةٌ من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم تتفحج) بالفاء، والحاء المهملة، والجيم بعدها.
نقل الجوهري عن أبي عمرو: "والتفحج مثل: التفشج: وهو أن يفرج بين رجليه".
قوله: (تصيفت): أي: تلبثت بالصيف. و"تشتت": إذا تلبثت بالشتاء.
قوله: (سقبها). السقب: الذكر من أولاد الإبل. "تحنطوا": أي: اتخذوا حنوطاً. والحنوط: الذريرة. "لا تريبوها"، من قولهم: "رابني فلان: إذا رأيت منه ما يسوؤك وتكرهه".