وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من نسبهم إلى الضلال والسفاهة، بما أجابوهم به، من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة، بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم: أدبٌ حسنٌ وخلقٌ عظيم، وحكاية الله عزّ وجلّ ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم.
(ناصِحٌ أَمِينٌ) أي: عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن أُتهم، أو: أنا لكم ناصحٌ فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منهم، لقوله تعالى: (أخاهم)، وكانوا أعرف بحاله أنه أحلم الناس، وأرشدهم سجيةً، وأصدقهم لهجة، فكان جوابهم: (إنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ) كفراً وعناداً، وستراً للحق، بخلاف قول الملأ من أشراف قوم نوحٍ في هذا المقام.
ألا ترى كيف ذمهم في سورة "المؤمنين"، حيث قالوا: (مَا هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24) إنْ هُوَ إلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون: 24 - 25].
قوله: (في إجابة الأنبياء) خبر، وقوله: "أدب حسن" مبتدأ، "وترك المقابلة" عطف على "إجابة"، و"بما أجابوهم به" متعلق بـ"إجابة"، والكلام فيه الإدماج المسمى بإشارة النص في الأصول.
قوله: ((ناصح أمين): أي عرفت فيما بينكم): يشير بهذا إلى أن قوله: (وأنا لكم ناصح أمين) جملة مستأنفه، وقعت معترضة. ثم قوله: "وأنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين"