لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة وعنده الزور وما يشعر به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عملٍ يقدرون على أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أنّ الله تعالى يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)، وقد أثنى على زكريا فقال: (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) [مريم: 3] وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً".
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي: المجاوزين ما أمروا به في كل شيءٍ من الدعاء وغيره، وعن ابن جريجٍ: هو رفع الصوت بالدعاء، وعنه: الصياح في الدعاء مكروهٌ وبدعة. وقيل: هو الإسهاب في الدعاء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء. وحسب المرء أن يقول: اللهمّ إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قولٍ وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل»، ثم قرأ قوله تعالى: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعنده الزور). الجوهري: "رجل زائر، وقوم زور وزوار، مثل: سافر وسفرٍ وسفار". قوله: (ما كان على الأرض من عملٍ): معناه: لا يوجد على وجه الأرض عمل يقدرون على أن يعملوه في السر، فيعملونه علانية أبداً. يعني: ما أمكنهم أن يعملوه سراً لا يعملونه جهراً اجتناباً عن الرياء.
قوله: (سبعون ضعفاً): الأزهري: "الضعف في كلام العرب: المثل فما زاد، وليس بمقصورٍ على مثلين. فأقل الضعف محصور في الواحد، وأكثره غير محصور". ذكره في "النهاية".
قوله: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء): روينا في "مسند أحمد بن حنبل"، عن سعد بن