وامتطى الجهل، واقتعد غارب الهوى. ومعنى (هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أى منحوه من عنده وأوتوه من قبله، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير، والترقي إلى الأفضل فالأفضل. ونكر (هدى)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غارب الهوى" فهو استعارةٌ: إما تحقيقيةٌ أو تخييليةٌ. و"اقتعد" ترشيحٌ لها نحو قوله:
وعُري أفراس الصبا ورواحله
قوله: (ومعنى (هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ)) مبتدأ، و"منحوه من عنده" خبره، فأقحم "أي"التفسيرية، لمزيد البيان، أو معنى هدىً من ربهم هذا القول، فحذف القول وجيء بتفسيره كما سيجيء في قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [البقرة: 11].
قوله: (أي: منحوه من عنده وأوتوه من قبله) يعني: أن "من" هاهنا لابتداء الغاية فلا يصح إلا بتقدير "عند" نحو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) [الأعراف: 206]، وهو أيضاً لا يصح إلا بالكناية، فيرجع حاصله: أوتوه من قِبَله، أي: بتوفيقه ولطفه، واللطف ما يختار عنده المكلف الطعة على مذهبه، وسيجيء تحقيقه بعد هذا.
قوله: (والترقي إلى الأفضل فالأفضل) والفاء مثلها في قوله صلوات الله عليه: "الأمثل فالأمثل"، فهي للتعقيب على سبيل الاستمرار إلى ما لا نهاية له.
المعنى: إذا ساعدتهم ألطاف الله، وتداركهم توفيقه، اقتدروا على عملٍ من الأعمال الحسنة، وهذا العمل يستنزل لهم لُطفاً جديداً أفضل منه، فيستجدوا به عملاً أعلى من ذلك،