فيه إنصاف في المقال وأدب حسن، مع تضمن شدّة الوعيد، والوثوق بأنّ المنذر محق والمنذر مبطل.
[(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)].
كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاجٍ لله، وأشياء منها لآلهتهم؛ فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكياً نامياً يزيد في نفسه خيراً، رجعوا فجعلوه للآلهة، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها، واعتلوا بأنّ الله غنىّ، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها.
وقوله: (مِمَّا ذَرَأَ) فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظَّالِمُونَ)، من العدول من المضمر إلى المظهر، حيث لم يصرح بنفي الفلاح عنهم قوله: (مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ)، مع التعميم فيه المبني على الأمر في قوله: (اعملوا على مكانتكم): طريقاً من الكلام المنصف، وإرخاء العنان، لطيف المسلك، حيث ضمن ذلك "شدة الوعيد، والوثوق بأن المنذر محق، والمنذر مبطل".
قوله: (فيه أن الله كان أولى) أي: في إتيان (مما ذرأ)، وبيانه بقوله: (مِنَ الحَرْثِ والأَنْعَامِ) إشعار وإدماج لمعنى أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي، لأنه الخالق والمزكي، وإلا فكان من الظانين: (وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنْعَامِ نَصِيبًا).