فإن قلت: كيف قيل: (إِلَّا أُمَمٌ) مع إفراد "الدابة" و"الطائر"؟ فإن قلت: لما كان قوله تعالى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ) دالاً على معنى الاستغراق ومغنياً عن أن يقال: وما من دواب ولا طير، حُمل قوله: (إِلَّا أُمَمٌ) على المعنى.
فإن قلت، هلا قيل: وما من دابة ولا طائرٍ إلا أمم أمثالكم؟ وما معنى زيادة قوله: (فِي الْأَرْضِ) و (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)؟ قلت: معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة، كأنه قيل: وما من دابة فقط في جميع الأرضين السبع، وما من طائرٍ قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهملٍ أمرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الحديث استشهد به لقوله: "وينصف بعضها من بعض"، لا لقوله: "فيعوضها"، لأنه لا يثبت التعويض إلا إلى المكلفين، لأن قوله: "يعني الأمم كلها" مشتمل على المكلفين وغير المكلفين.
قوله: (معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة) فيه أن منزلة {فيِ الأَرضِ {، و {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ {من {دَآبةٍ {و {طَيرٍ {منزلة المؤكد مع المؤكد للشمول. ولهذا قال: "قط في جميع الأرضين السبع، وما من طائرٍ قط في جو السماء".
قال الزجاج: "قال: {بِجَنَاحَيْهِ {على جهةِ التوكيد، لأنك قد تقول للرجل: طر في حاجتي، أي: أسرع. وجميع ما خلق الله ليس يخلو من هاتين المنزلتين: إما أن يدب أو يطير".
قلت: عنى أن تعميم الجنسين كما حصل بالتوكيد حصل تعميم الحيوان بتكرير لفظ الدابة، ولفظ الطائر. وإلى هذا المعنى ينظر قول المصنف: "إن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان". وقول صاحب "المفتاح": "ذكر {فِي الأَرْضِ {مع {دَآبةٍ {، و {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ {مع {طَيرٍ {لبيان أن القصد من لفظ {دَآبةٍ {ولفظ {طَيرٍ {