وقيل الصحيح أنه لا يتناولها، لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر.
وقيل: يطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال، والمتقى لا يطلق إلا عن خبرة، كما لا يجوز إطلاق العدل إلا على المختبر. ومحل (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) الرفع، لأنه خبر مبتدإ محذوف، أو خبر مع (لا رَيْبَ فِيهِ) لذلك، أو مبتدأ إذا جعل الظرف المقدّم خبراً عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أنه لا يتناولها)، قيل: الضمير في "أنه" راجع إلى "ما" في "ما يستحق به العقوبة" أي: ما يستحق به العقوبة لا يتناول الصغائر، بل إلى ما دل عليه المتقي وهو التقوى، أي التقوى لا يتناول اجتناب الصغائر.
يدل عليه قول الإمام: اختلفوا في أنه هل يدخل اجتناب الصغائر في التقوى! ولا نزاع في وجوب التوبة عن الكل؛ وإنما النزاع في أنه إذا لم يتوق الصغائر هل يستحق هذا الاسم؟
ويمكن أن يقال: إن الإصرار على الصغائر مما يسلب العدالة؛ فكيف بالتقوى؟ وأيضًا قوله: "الوقاية فرط الصيانة" يوجب أن يتناولها؛ ويؤيده ما روينا عن عطية السعدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس" أخرجه الترمذي، وابن ماجة. نعم ذلك من أعلى مناصب الصديقين، بل يكاد يختص بالنبيين.
الراغب: التقوى: هو جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا حقيقته، ثم يسمى تارة الخوف تقوى، والتقوى خوفًا. وفي التعارف: حفظ النفس عن كل ما يؤثم، ولها منازل:
الأول: ترك المحظور، وذلك لا يتم إلا بترك المباح كما جاء "من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه" وقيل: من لم يجعل بينه وبين محارم الله سترًا من حلال؛ فحقيق أن يقع فيها.