(مِنَ النَّاسِ) حياءً منهم وخوفاً من ضررهم، (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ): ولا يستحيون منه، (وَهُوَ مَعَهُمْ):
وهو عالمٌ بهم مطلعٌ عليهم لا يخفى عليه خافٍ من سرهم، وكفى بهذه الآية ناعيةً على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم- إن كانوا مؤمنين- أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح. (يُبَيِّتُونَ): يدبرون ويزوّرون، وأصله أن يكون بالليل، (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرّق دونه ويحلف ببراءته.
فإن قلت: كيف سمي التدبير قولاً وإنما هو معنى في النفس؟ قلت: لما حدّث بذلك نفسه سمي قولاً على المجاز، ويجوز أن يراد بالقول: الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيته، وتوريكه الذنب على اليهودي. (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ): "ها" للتنبيه في "أنتم" و"أولاء"، وهما مبتدأٌ وخبر. و (جادَلْتُمْ) جملة مبينة لوقوع "أولاء" خبراً، كما تقول لبعض الأسخياء: أنت حاتم تجود بمالك، وتؤثر على نفسك. ويجوز أن يكون "أولاء" اسماً موصولاً بمعنى "الذين"، و (جادلتم) صلته، .........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وكفى بهذه الآية ناعية على الناس) يعني: أن هذه الآية وإن نزلت في شأن طعمة وبني ظفر، لكن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب؛ فعلى العاقل أن يعتبر بمضمونها، لا سيما المؤمن يجتنب عن قلة الحياء وقلة خشية من علمه أنه في حضرته؛ فأوقع قوله: "إن كانوا مؤمنين" اعتراضاً بين الفعل ومعموله؛ تشديداً وتغليظاً.
قوله: (وتوريكه الذنب) عطف على "الحلف". الأساس: ورك عليه السيف: حمل عليه، وورك عليه ذنبه. قوله: {جَادَلْتُمْ} ولم يقل: ها أنتم جادلتم؛ ليكون أفخم، فلو قيل: أنت تجود بمالك، لم يكن كما لو قيل: أنت حاتم تجود بمالك؛ فكانت الجملة المبينة كالتعليل.
قوله: (ويجوز أن يكون "أولاء" اسماً موصولاً". قال الزجاج: "ها": للتنبيه في "أنتم"، وأعيدت في "أولاء"، والمعنى: ها أنتم الذين جادلتم؛ لأن "هؤلاء" و"هذا" يكونان في الإشارة للمخاطبين في أنفسهم بمنزلة: الذين، وقد يكون لغير المخاطبين، كقوله: