وعن عمر رضي اللَّه عنه: لا يقولنّ أحدكم قضيت بما أراني اللَّه، فإنّ اللَّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم، ولكن ليجتهد رأيه؛ لأن الرأي من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان مصيباً؛ لأن اللَّه كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكلف. (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً): ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما للبرآء، يعني لا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر، (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) مما هممت به من عقاب اليهودي.
[(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً* وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)].
(يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ): يخونونها بالمعصية، كقوله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة: 187]، جُعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم، كما جعلت ظلماً لها؛ لأنّ الضرر راجع إليهم. فإن قلت: لم قيل (لِلْخائِنِينَ)؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو من الرأي، وهو متعد إلى مفعول واحد، وبعد الهمزة إلى مفعولين أحدهما الكاف والآخر محذوف، أي: أراكه، وقيل: المعنى علمك، وهو متعد إلى مفعولين أيضاً.
قوله: (جعلت مصيبة العصاة خيانة منهم). الراغب: الخيانة والنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتباراً بالدين، ثم يتداخلان، فالخيانة: مخالفة الحق بنقض العهد في السر، ونقيض الخيانة الأمانة، يقال: خُنت فلاناً وخنت أمانة فلان، وعليه قوله تعالى: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27].