وجعلا مأخوذين، ونحوه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر: 9]. جعل الإيمان مستقراً لهم ومتبوأ لتمكّنهم فيه؛ فلذلك جمع بينه وبين الدار في التبوّء. (فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ): فيشدون عليكم شدة واحدة. ورخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم في مطر، أو يضعفهم من مرض. وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر؛ لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو. فإن قلت: كيف طابق الأمر بالحذر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وجُعِلا مأخوذين) يريد أنه تعالى نظم المعقول وهو الحذرُ بعد الاستعارة في سلك المحسوس وهو الأسلة في حم الأخذ، مبالغةً في الحذر، كما نظم الإيمان في سلك الدار في حكم التبوؤ لتمنهم فيه تمكنهم في الدار.

قوله: (فيشدون عليكم شدة) الشدة بالفتح: الحملة الواحدة. الأساس: شدوا عليهم شدة صادقة.

قوله: (كيف طابق الأمر بالحذر؟ ) يعني: مجيء قوله: {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} بعد الأمر بالحر إيذان بأن الأمر بالحذر معلل بهذه العلة، وليس كذلك؛ بل الأمر بالحذر مسبب عن اعتزاز العدو وغلبته، وأجاب أنه تعالى لما أمرهم بالحذر من العدو أوهمهم به غلبة العدو؛ لأن الحذر غالباً مسبب عن توقع مروه من جانب العدو، فأراد أن يبين أن هذا الأمر على خلاف المتعارف، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} ليعلموا أن ذلك الأمر غير معلل بعلتهم، ونحوه قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] نهاهم أن يلقوا أنفسهم إلى التهلكة، وهو في الظاهر أمر بالإحجام عن الحرب؛ لكن المراد عكسه، ألا ترى إلى قول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد؟ فالأمر بالحذر والنهي عن الإلقاء في التهلكة - في الحقيقة- راجعان إلى التحفظ في الأمور، والتيقظ في التدبير، وهو تعمد وقاية بأمر الجهاد، فإذا امتثلوا هذا النهي والأمر يثيبهم الله بأن يهين عدوهم ويحدهم ويبشرهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015