(وَكُلًّا): وكل فريقٍ من القاعدين والمجاهدين (وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى)، أي: المثوبة الحسنى، وهي الجنة، وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم». وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم، وكانت أفئدتهم تهوي إلى الجهاد، وبهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا تفسيرٌ مبين موافقٌ للنظم ولا تعقيد فيه، ولا يحتاج أيضاً إلى جعل المجاهدين صنفين كما ينبئ عنه ظاهر كلامه: "أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا .. "إلخ، ويطابقه أيضاً سبب النزول المذكور في الكتاب عن زيد بن ثابت، وأخرجه أبو داود بتمامه وذكر البخاري طرفاً منه، وملائم لحديث الأضراء على ما روينا عن البخاري وأبي داود وابن ماجه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ولقد خلفتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم"، قاله حين رجع من غزوة تبوك فدناً من المدينة، فالحديثان يؤذنان بالمساواة بين المجاهدين والأضراء، وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء في {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}، وكلام الزجاج: إلا أولو الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، كذا في "المعالم". وعلى الجواب الذي أجاب به المصنف وذهب إليه الواحدي لا يلزم المساواة، فيلزم خلاف ما تقتضيه الصفة أو الاستثناء.
قوله: (صحت نياتهم ونصحت جيوبهم) هو من باب قولهم: نهاره صائم وليله قائم، مبالغةً في غخلاصهم ونقاء سريرتهم عن الدخل، ويجوز أن يكون كناية، كقوله: