. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالاً وتفصيلاً، وتعظيماً للجهاد وترغيباً فيه.
وقيل: الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر، والثاني ما جعل لهم في الآخرة. وهذا يوافق ما ذكره الراغب، وهو قوله: إن قيل: لم كرر الفضل وأوجب في الأول درجة وفي الثاني درجات وقيدها بقوله: {وَمِنْهُ} وأردفها بالمغفرة والرحمة؟ قيل: عني بالدرجة: ما يؤتيه في الدنيا من الغنيمة ومن السرور بالظفر وجميل الذكر، وبالدرجات: ما يُنجز لهم في الآخرة، ونبه بالإفراد في الأول والجمع في الثاني: أن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير، وقيدها بقوله: {وَمِنْهُ} ليعظمها، وأردفها بالمغفرة والرحمة إيذاناً بالوصول إلى الدرجات بعد الخلاص من التبعات، وقيل: إن المغفرة تقال اعتباراً بإزالة الذنوب، والرحمة تقال اعتباراً بإيجاب التوبة وإدخال الجنة، والدرجات: هي المنازل الرفيعة بعد إدخال الجنة.
وقلت: والذي تقتضيه البلاغة وسداد النظم هذا، وبيانه: أن قوله: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} جملة موضحة لما نُفي" الاستواء فيه، والقاعدون على التقييد السابق من أن المراد به غير الأضراء فحسبن وإنما كرر {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} ليناط به من الزيادة ما لم يُنط به أولاً، فالفضل الأول: الظفر والغنيمة والذكر الجميل في الدنيا، والثاني: المقامات السنية والدرجات العالية والفوز بالرضوان والغفران في العقبى؛ يدل عليه قوله تعالى: {وَكُلاًّ} أي: وكل فريق من القاعدين غير أولي الضرر والمجاهدين {وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} في الجنة، يعني: لهم الفضل في الدنيا ثم الجميع في الجنة؛ لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، وإنما التفاوت في الأجر الجزيل والدرجات العالية وفي الفوز بالرضوان، كما قال تعالى: {أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}، ويعضده ما ورد في الحديث: "إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر". رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد.