الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ)، فقال ابن أمّ مكتومٍ وكان أعمى: يا رسول اللَّه، وكيف بمر لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فغشيته السكينة كذلك، ثم قال: "اقرأ يا زيد" فقرأت: (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فقال: (غير أولى الضرر)، قال زيد: أنزلها اللَّه وحدها، فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدعٍ في الكتف. وعن ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدرٍ والخارجون إليها. وعن مقاتل: إلى تبوك. فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان، فما فائدة نفي الاستواء؟ قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم، والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته، ونحوه: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9] أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلم، ولينهض بنفسه عن ضعة الجهل إلى شرفِ العلم. (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ): جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل: ما لهم لا يستوون، فأجيب بذلك. والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر؛ لكون الجملة بياناً للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (صدع في الكتف) يقال: صدعت الرداء صدعاً: إذا شققته، والاسم: الصدع بالكسر، والصدع في الزجاجة، بالفتح. كانوا يكتبون في كتف الشاة لقلة القراطيس عندهم.

قوله: (ليهاب به إلى التعلم). النهاية: أهبت بالرجل: إذا دعوته إليك، وفي حديث الدعاء: "وقويتني على ما أهبت به إليه من طاعتك"، وقيل: هو من: أهاب الراعي بغنمه، أي: صاح بها لتقف أو ترجع

قوله: (عن ضعة). النهاية: هي الذم والهوان والدناءة، وقد وضُعَ ضعة فهو وضيع، والهاء عوضٌ من الواو المحذوفة.

قوله: (والمعنى: على القاعدين غير أولي الضرر) قيل: فيه نظر، بل الصواب: على القاعدين أولي الضرر، يدل عليه قول الواحدي: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015