ولرسوله، لا لغرضٍ من أغراض الدنيا، مستقيمةٍ ليس بعدها بداء ولا تعرّب. (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحلّ والحرم، وجانبوهم مجانبةً كليةً، وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم. (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ): استثناء من قوله: (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ)، ومعنى: (يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ): ينتهون إليهم ويتصلون بهم. وعن أبي عبيدة:
هو من الانتساب، وصلت إلى فلانٍ واتصلت به: إذا انتميت إليه. وقيل: إن الانتساب لا أثر له في منع القتال، فقد قاتل رسول اللَّه بمن معه من هو من أنسبائهم. والقوم هم الأسلميون؛ كان بينهم وبين رسول اللَّه عهد؛ وذلك أنه وادع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: الهجرة: تَرْكُ الشيءِ والإعراضُ عنه، مكاناً كان أو خليطاًن وسُمِّي القبيحُ منَ الكلامِ هُجْرا، وسُمِّي المُهاجِرُ، لتركه وطنه، وصار اسم مدحٍ في الإسلام، وسُمِّي مَن رفضَ فُضولاتِ شهواتِه: مُهاجراً.
ثم إن المصنفَ وضعَ موضعَ {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} قوله: "يُقتلُونَ حيث وُجدوا"، وموضعَ {وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} "جانبوهم مجانبة كلية" إلى آخره؛ بياناً لمعنى الاستمرار. وأما قولُه: "جانبوهم مجانبةً كلية" فإخراجٌ للكلامِ على غيرِ مقتضى الظاهر؛ إذ الظاهر "وتجانبون"؛ ليقعا خبرينِ للإيذانِ بشدةِ المجانبة، وذلك من تكرير قوله: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ}؛ ومِن ثمَّ بالغَ فيه حيثُ قال: "مجانبةً كلية وإن بذلَوا لكُم الولايةَ والنصرةَ" يعني: لا يوجد منكم ولايةٌ لهم قط؛ فداوموا على العداوة.
قوله: (ليس بعَدها بداءٌ ولا تعرُّب) مثل لترك التذبذب لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء، وبداء أي: نزول بالبادية، ولا تعرب، أي: عودٌ إلى العرب الذين يسكنون المدن.
قوله: (استثناء من قوله: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} أي: من الضمير في {فَخُذُوهُمْ}، لا من الضمير في {فَلا تَتَّخِذُوا} وإن كان أقربَ لأن اتخاذَ الوليِّ منهم حرامٌ.