في كل تأمل، فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه.
(لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً): لكان الكثير منه مختلفاً متناقضاً، قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه، فكان بعضه بالغاً حدّ الإعجاز، وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، وبعضه إخباراً بغيبٍ قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفاً للمخبر عنه، وبعضه دالاً على معنى صحيحٍ عند علماء المعاني، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوائد، منها: وجوب النظر في الحجج والدلالات، وبطلان التقليد، وبطلان وقل من يقول: القرآن لا يفهم المراد بظاهره، وبطلان قول من يقول: إن المعارف الدينية ضرورية، وفيها الدلالة على صحة القياس، والدلالة على أن أفعال العباد ليست بخلق الله تعالى لوجود التناقض فيها، وفيه نظر.
الراغب: التدبر: النظر في دبر الأمور وتأملها، وأصله من الدبر، ومنه الدبور، وقد يقال ذلك في تأمل الشيء بعد حصوله، ومعرفة خيره من شره، وصلاحه من فساده، كقولك: تدبرت فيما فعل فلان فوجدته سديداً، وإلى هذا نظر المصنف في قوله: ((ثم استعمل في كل تأمل)).
قوله: (دالاًّ على معنًى صحيحٍ عند علماء المعاني). إنما خص علماء المعاني؛ لأن جل التركيب التنزيلي وارد لا على مقتضى الظاهر، فمن لم يمارس هذا العلم وما منح الفضل الإلهي من سلامة فطرةٍ واستقامة طبيعةٍ وشدة ذكاءٍ وصفاء قريحة: بادر إلى بيان الاختلاف وإظهار التناقض، وإذا نظر صاحبه إليه استنبط من ذلك الاختلاف معاني تحرق منها الأوهام وتسلب بها العقول. قال السجاوندي: الاختلاف هو الذي يرجع به إليه عيب التناقض لا التجنس وبسط وجوه المعاني وتشعب الآراء في التفسير والتأويل، وهو برهان الكمال، واختلاف الجاهل فيه لا يؤثر في كماله كما لم يصر كذباً بتكذيب الجاهلين، وقد قال الله تعالى: (ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) [هود: 110].